٦ شباط..
لا اخبار عن الوطن إلا ما تجود به ماكنة الإعلام المعادي.. لا يتميز المواطن عن المقاتل فالسماء تهطل أمطار غزيرة من الحمم.. المجاعة تعصف بعوائل الجنود فتمثل جبهة أخرى يعجز عن مواجهة جندها بعد ان قطعت سبل التواصل.. من يملك الهواتف الأرضية و هي علامة الترف التي يتبختر بعض الجنود على غيرهم أصبحت كالجسور .. نالت نصيبها من التوماهوك ان لم ترتقي لأهداف طائرات الشبح بالموجة الأولى منتصف ليل ١٧/١/١٩٩١.. بتدمير المرسلات المايكروفيه....
يتناقص العدد يوما بعد آخر.. كنت [اشوسا] مهنتي التي تكلفت بها .. ترميم الخسائر البشرية واحصائها... عجزت عن إحصاء آلام الجرحى و أنواع الاصابات.. فالاهمال ينتظر الجميع بالمحل الذي يأملون به النجاة..
بين السخرية من أوامر من يملك الأمر وعجز من ينفذه.. استوقفتني مفارقة.. فاصابة القائد افقدته أعضاء رجولته.حين الصولة .. وآثر الحياة أملا بزراعة غيرها. و الحاكي المعلق بقيافته يطلب منه أسر ١٥٠ مجند أمريكي... لتنتهي المعركة كما يعد من لا يعرف الحال تحت مواضع محصنة....
عزمت... على مغادرة الأرض التي استمطرت مآسي ما شهدت عيني دموعها... يطول المقال بإيجازها... لمشهد هدر كرامات المقيمين والعالقين من الكويتيين... فمسلسل الهوان الذي تذوقوا غصصه من قبل المتوحشين من حرس الرئيس.. الجمهوري.. و الجهلة من منتسبي السيطرات. فوق طيف احتمال البشر....
تأكدت من الهلاك... فالرئيس الأمريكي اقسم بقداسة العذراء.. و صدام أعتذر من العراقيات... لان ٧ ملايين من الهلكى لا تعني شئ ان بقي هو منتصرا على عرش شيدته الجماجم والدم...
اخترت.. ان أموت تحت أنظار أمي.. لتطمئن ان جثتي لم تعبث بها وحوش الفلوات العربية.. قبل ان تدحرجها بساطيل الامريكان بحفر جماعية حرصا على البيئة أو منعا لانتقال العدوى لقطعان الضب القومي..
نعم... انا عازم على مواجهة قرار الاعدام ببسالة واتخذت من الهروب من ساحة المعركة سبيلا للعار الذي سيبوء به إخوتي... إذ أني من مقلدي جبران خليل جبران .. الذي أفتى بان (البلبل لا يحوك عشا بالقفص لكي لا يورث العبودية لفراخه)...
فعزفت عن الزواج ما دمت متأبطا شرا..اتنقل به من البوابة الشرقية الى الفرع السليب ولا أعلم غيب ما يعزم عليه عبدالله المؤمن بالغد ان كنت له أهلا..!!!تسوقني اسقام الاهواء التكريتية التي مَزجت طينته لقيطا تتقاذفه انظار الساخرين من مرتادي صالون صبحة طلفاح الذي لم تترك لعاطش وردا كما ذكر الكثير من رواة الخبر تحت أجنحة الكتمان.....
مساء... هذا اليوم قبل ٢٦ سنة.. رددت شعار (الكويت النا و[ما ننطيها]لحد الموت نقاتل بيها)..وزعت ممتلكاتي على من يعتقد بالنصر! و أودعت سلاحي و عتادي عند من اثق أنه سيسلمه لأمين المشجب..و طلبت العفو من كل من تسببت له بأذى نتج عن مزاح أو ممارسة مسؤلياتي للقدم العسكري!! فانا... عريف بثلاث خيوط جاءت من الاستبسال!!! بالقادسية حين تأخر الآخرين....
أكثر رفاق السلاح خلطوا بين هزل الاستخفاف بالحياة وجد المغامرة على حتمية الانتحار بعدوان طريق العودة أو بأيدي رفاق البعث....
حتى ان من عاهدني على الهروب استثنى باللحظات الاخيرة... فالهروب أشد من البقاء فربما يمنحك الصليبي أو اليهودي حق الحياة منةً. بينما لا يتردد المؤمن من خريجي الحملة الايمانية بخطف مابقي من أنفاس وهبها الخالق لعبادة.....
وأصبح... الصباح.. فما كان من شهريار إلا أن ينفذ ما وعد... و لا أستطيع وصف أهوال الصراط بين ام العظام الى سفوان و لا أملك من الصالحات لتجاوز العقبات ايسرها المطلاع الذي تكدست به أشلاء اجساد الشباب تفوح منها روائح شواء الأكباد التي قبل لحظات كانت تمور بها المنى...
ما بين ترجل من حافلة وامتطاء اخرى.. يتناقص العدد بتجاهل المتخلفين عن الوثوب خيانة من اطراف مرتعشة.. و سرعة هروب السواق.. فرص النجاة تتلاشى... بزيادة ما تنثره الحاويات العنقودية من طائرات الميراج...
احدهم... كان يغني..محتظنا مجموعة من أشرطة الفيديو.. بينما يتلعثم لساني بقراءة آيات الذكر الحكيم..
و آخر ... وجد فرصته سانحة لشتم القائد .. فلا حسيب يخاف او رقيب يتربص.. و تنوعت ... يجمعها الطمع بالسلامة بحالة اليأس المطلق....
بعد أيام.... دفعني الفضول للوقوف بالشارع الترابي... سعدت بوصول احد الضباط الشباب من القرية التالية لجارتنا.. اليوم هو من القادة.. كان التعب و هوان الأهوال باديه على كل مفاصله... و غنيمته من الإياب... هونت عليه الصعاب......
عدنا..... لنعد سني يوسف...
ما أحوجنا...اليوم لنتعلم.. من خطايا من ملكوا الأمر.... لنصوم عن طاعتهم... فهم ابواب العذاب....
بعد ان انهينا عذاب البرزخ و أهوال الحشر.... لا نعلم ماذا تخفي لنا النفخة غدا.....
من ....
صفحات الذكريات السوداء...
٦شباط ٢٠١٧